حين يخُونك النوم ويُصبح السهر عادة: هل تساءلت عن السبب؟
إنّه يوم مرهق، كلّ ما تريده هو نوم عميق يُرمم ما أفسده التعب.. تتمدّد على السرير، وعيونك مثقلة بالنعاس، لكن شيئًا ما يمنعك من الغرق في النوم.. تبدأ بالتقلّب، تعدّ اللحظات، وتُراقب عقارب الساعة وهي تمضي ببطء..
تدريجيًا، تُدرك أنّك لا تُواجه مجرد ليلة صعبة، ولا مجرد سهرٍ عابر، بل حالة يختلّ فيها توازن الجسد مع الراحة، ويتحوّل فيها الليل إلى ساحة أفكار لا تهدأ.
ملايين البشر حول العالم يشتركون في هذه التجربة، حيث يغدو النوم أمنية.. وإن تكرّرت هذه الحالة، فربّما تكون يا عزيزي القارئ، في مواجهة مع الأرق.
فما هو الأرق تحديدا؟ ما أنواعه، وما أسبابه؟ وما هي الطرق المتاحة للتعامل معه؟..
الأرق.. عدوّ النوم
الأرق هو اضطراب من اضطرابات النوم الشائعة التي يصعب معه الخلود إلى النوم أو الاستغراق فيه. ويمكن أيضًا أن يسبب الاستيقاظ قبل الموعد وعدم القدرة على معاودة النوم.
وقد تظل تشعر بالإرهاق عند الاستيقاظ. وقد يستنزف الأرق طاقتك ويؤثر في مزاجك. كما يمكن أن يؤثر في صحتك وأدائك في العمل وجودة حياتك.
يختلف مقدار النوم الكافي من شخص إلى آخر. لكن معظم البالغين يحتاجون من 7 إلى 9 ساعات في الليلة
ويُصاب كثير من البالغين أحيانًا بالأرق قصير الأمد. وقد يستمر أيامًا أو أسابيع. وعادةً ما يحدث الأرق قصير الأمد بسبب التوتر أو الأحداث المزعجة. وبعض الناس يصابون بالأرق طويل الأمد المعروف أيضًا بالأرق المزمن. وهذا النوع يستمر ثلاثة أشهر أو أكثر. وقد يكون الأرق المشكلة الأساسية بذاته، أو قد يكون مرتبطًا بحالات طبية أخرى أو أدوية معينة.

وعادةً ما يُصنّف الأرق إلى فئات عدّة:
• من حيث السبب: الأرق قد يكون أوليًا، أي يحدث من تلقاء نفسه دون سبب واضح، أو ثانويًا، حيث يكون نتيجة لاضطراب آخر أو حالة صحية مثل القلق، الاكتئاب، أو حتى تأثير بعض الأدوية.
• من حيث الوقت: يمكن تقسيم الأرق إلى حادّ، وهو الأرق الذي يستمر لبضعة أيام أو أسابيع بسبب ضغوطات الحياة اليومية أو تغييرات مؤقتة في الروتين. بينما يُعتبر الأرق مزمناً إذا استمر لمدة 3 أشهر أو أكثر، ويحتاج إلى علاج متخصص لأن تأثيره يكون أكبر على جودة حياة الفرد.
من التوتّر إلى المشاكل الصحية.. ما الذي يُسبّب الأرق؟
يُمكن أن ينجم الأرق عن مجموعة متنوعة من العوامل، بعضها يتعلق بنمط حياتنا، والبعض الآخر بحالات صحية أو نفسية. من أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى الأرق:
← السن: مع تقدم العمر، تصبح مشكلة الأرق أكثر شيوعًا بسبب التغيرات الطبيعية في أنماط النوم.
← الضغط العصبي: القلق والتوتر المستمر بسبب ضغوطات الحياة اليومية يمكن أن يمنع النوم الهادئ.
← الرحلات الجوية الطويلة وتغيير التوقيت: اختلاف التوقيت يمكن أن يؤثر على الساعة البيولوجية للجسم، ما يؤدي إلى الأرق لفترة بعد الوصول.
← القلق: القلق المستمر حول المستقبل أو الأمور اليومية قد يعيق النوم.
← الاكتئاب: يُعتبر الأرق من الأعراض الشائعة للاكتئاب، حيث يشعر الشخص بعدم القدرة على الاسترخاء.
← زيادة في تناول الكافيين: الإفراط في شرب القهوة أو مشروبات تحتوي على الكافيين قد يؤثر على جودة النوم.
← الأدوية: بعض الأدوية، مثل الأدوية المهدئة أو أدوية الضغط، قد تتسبب في الأرق كأثر جانبي.

← عادات النوم السيئة: مثل الذهاب إلى الفراش في أوقات متأخرة أو استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.
← العمل ليلا: العمل في فترات الليل يمكن أن يخلّ بالتوازن الطبيعي للنوم.
← صدمات عاطفية: صدمة عاطفية شديدة، مثل فقدان شخص عزيز، قد تسبب اضطرابات في النوم.
← حالات طبية: مثل مشاكل الغدة الدرقية، اضطرابات التنفس أثناء النوم، أو آلام مزمنة.
يُدمر جسمك وعقلك دون أن تُدرك!
لا يتوقّف الأرق عند كونه مجرد مشكلة في النوم؛ بل يمتد تأثيره إلى جوانب مختلفة من حياتنا اليومية. فهو يسبب مشاكل صحية ونفسية قد تكون غير مرئية في البداية، لكنها تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة.
✘ التأثيرات النفسية: الأرق يؤثر بشكل مباشر على صحتنا النفسية. من أبرز التأثيرات:
- القلق والتوتر: الاستيقاظ المتكرر ليلاً، وقلق الشخص من عدم القدرة على النوم، قد يخلق دائرة مفرغة تزيد من مستويات التوتر.
- الاكتئاب: يعد الأرق أحد الأعراض الشائعة للاكتئاب، حيث يعاني الأفراد من تقلبات مزاجية، شعور مستمر بالحزن، وفقدان الرغبة في الأنشطة اليومية.
- صعوبة التركيز: تأثير الأرق يمتد ليشمل الأداء الذهني. الأشخاص الذين يعانون من قلة النوم غالبًا ما يواجهون صعوبة في التركيز والتذكر، ما يؤثر على أدائهم في العمل والدراسة.
✘ التأثيرات الجسدية: الأرق لا يؤثر فقط على الصحة النفسية، بل قد يؤدي إلى مشكلات صحية جسدية طويلة الأمد، مثل:
- التعب المزمن: الشعور المستمر بالإرهاق، حتى بعد النوم لساعات طويلة، حيث لا يستطيع الجسم تجديد طاقته بشكل كامل.
- ضعف المناعة: النوم الجيد يساعد في تقوية جهاز المناعة، بينما يؤثر الأرق سلبًا على قدرة الجسم في مقاومة الأمراض.
- أمراض القلب والشرايين: الأبحاث أظهرت أن الأرق المزمن يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية نتيجة لارتفاع ضغط الدم المستمر وعدم القدرة على استرخاء الجسم.
- ارتفاع ضغط الدم: قلة النوم تتسبب في زيادة مستويات الضغط الدموي، مما يزيد من المخاطر الصحية المرتبطة بالقلب والأوعية.
✘ التأثيرات الاجتماعية: الأرق يترك تأثيرات واسعة أيضًا على الحياة الاجتماعية والعلاقات الشخصية:
- انخفاض الإنتاجية: الأشخاص الذين يعانون من الأرق غالبًا ما يعانون من ضعف الأداء في العمل أو الدراسة، مما يؤثر على نجاحاتهم المهنية والأكاديمية.
- تدهور العلاقات الاجتماعية: الأرق يمكن أن يؤدي إلى انعدام الرغبة في التفاعل الاجتماعي، مما يؤثر على العلاقات مع العائلة والأصدقاء. الأشخاص الذين يعانون من قلة النوم قد يصبحون أكثر عصبية وأقل قدرة على التفاعل بإيجابية مع الآخرين.
- تأثير على السلام الداخلي: الشعور المستمر بالتعب والقلق قد يحول الحياة اليومية إلى تجربة صعبة، مما يقلل من الشعور بالراحة النفسية والرفاهية.
كيف نتعامل مع الأرق؟
يتطلّب التعامل مع الأرق تغييرات بسيطة في نمط الحياة قد تكون فعّالة، مع القليل من التعديل في العادات اليومية، يُمكن تحسين جودة النوم بشكل كبير. إليك بعض الطرق التي يمكنان تساعد في التغلّب على الأرق:
√ تحسين عادات النوم: الابتعاد عن العادات السيئة المتعلقة بالنوم هو أول خطوة نحو حل مشكلة الأرق:
- تحديد وقت ثابت للنوم والاستيقاظ: حاول الالتزام بمواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ حتى في أيام العطلات. هذا يساعد على ضبط الساعة البيولوجية للجسم.
- تهيئة بيئة النوم: تأكد من أن غرفة النوم مظلمة وهادئة، مع درجة حرارة مريحة، مما يعزز استرخاء الجسم.
- تجنّب الأجهزة الإلكترونية: يُنصح بعدم استخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، لأن الضوء الأزرق الصادر منها يمكن أن يعطل إنتاج الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم.
√ تقنيات الاسترخاء: ممارسة تقنيات الاسترخاء قد تساعد على تهدئة العقل والجسم:
- التأمل والتنفس العميق: تمارين التنفس العميق أو التأمل لمدة 10-15 دقيقة قبل النوم تساعد على تهدئة الأعصاب وتهيئة الجسم للنوم.
- اليوغا أو الاسترخاء التدريجي للعضلات: هذه التقنيات تساعد على التخلص من التوتر الذي قد يعيق النوم العميق.

√ تجنب المنبهات: المنبهات مثل الكافيين والتدخين يمكن أن تبقيك مستيقظًا:
- تقليل الكافيين: تجنب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة أو الشاي بعد الساعة 2 ظهرًا.
- الابتعاد عن النيكوتين: النيكوتين يمكن أن يسبب اضطرابات في النوم، لذا يفضل تجنب التدخين في الساعات التي تسبق النوم.
√ ممارسة الرياضة: النشاط البدني له تأثير إيجابي على جودة النوم:
- التمارين اليومية: ممارسة الرياضة بانتظام تساعد في تحفيز الجسم على النوم العميق. ومع ذلك، يُفضل أن تكون التمارين في ساعات النهار لتجنب زيادة الطاقة قبل النوم.
√ الاستشارة الطبية: إذا استمر الأرق لفترة طويلة وكان يؤثر على حياتك اليومية، فإن استشارة الطبيب قد تكون ضرورية:
- تشخيص السبب: الطبيب قد يقوم بتشخيص الحالات الصحية أو النفسية التي قد تكون سببًا في الأرق.
- العلاج الطبي: في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب باستخدام الأدوية المساعدة على النوم، ولكن ذلك يجب أن يتم تحت إشراف طبي.
في الختام، يُمكن القول إنّ الأرق ليس مجرد مشكلة مؤقّتة تتعلّق بليلة مضطربة، بل هو تحدٍ حقيقي يُؤثّر على حياتنا النفسية والجسدية. ومع تزايد ضغوط الحياة اليومية، أصبح من الضروري أن نتعامل مع الأرق بحذر واهتمام. من خلال تعديل عادات النوم واعتماد تقنيات الاسترخاء، وممارسة الرياضة، يمكننا تحسين جودة نومنا والحد من تأثيرات الأرق.
وفي حال استمرار المشكلة، لا بُدّ من التوجّه إلى الطبيب لتحديد السبب والعلاج المناسب. فالراحة تبدأ من النوم العميق، والاهتمام بصحتنا النفسية والجسدية هو الطريق نحو حياة أكثر توازنًا. إذا اتخذنا خطوات صغيرة نحو تحسين نومنا، سنجد أنفسنا نعيش حياة أكثر إشراقًا وأقل تعبًا.
* إعــــداد: أمـل منّاعـــي